admin
Admin
عدد المساهمات : 2444
تاريخ التسجيل : 12/06/2009
 |  موضوع: الطريق إلي الشعر .. للأستاذ الشاعر / عبد الله جمعه (الحلقه الحادية عشرة)  الأحد ديسمبر 11, 2011 5:08 pm | |
|
6 – فلسفة تشويه الواقع :
ومن الشعراء من اتجه إلى زاوية رؤية أخرى وهي تشويه هذا الواقع بعرضه في صورة أقبح مما هو عليه فما دام لا أمل من الانتصار عليه فلا مانع من تشويه ما تبقى منه لإكمال الصورة المعتمة في هذا الواقع ؛ فإذا كان الظلام قد غلب والنور لم يبق منه سوى بصيص يتضاءل أمام الظلام فمن الواجب – حسب رؤية هذا النوع من الشعراء – إكمال تشويه الصورة وقتل ما تبقى من بصيص شعاع وقلبه إلى ظلام دامس كنوع من التشفي في هذا الواقع ... ومن هؤلاء الشعراء الذين ملأوا هذه الدائرة الفلسفية الشاعر ( عادل عوض سند ) .. ولنقرأ قصيدته ( الحية والقرصان ) يقول فيها :
م المستحيل
لو دُسْت ديل
الحيه ممكن تتعدل
والمستحيل
إنك تعيش
معووج تميل
وتعوز حياتنا تتعدل
وبينفتل حبل الإله
بسهوله جدا مننا
مع إن ف كتاب ربنا
قايل لنا :
عدُّوا لهم
واحنا فهمنا القول غلط
ونْعِدُّو بس ف أرصده - - - ( نعِدُّو ) لهجة سكندرية بمعنى العد والإحصاء
أدمنَّا سم ( القرص ده )
ولسه برضه بننقرص
من حيَّه راسها ف الشمال
ف الأقصى بيضها بتفقسه
والفرخ سارح في الجنوب
مش راح يفيد
لو حد منا يدهسه
والسيرك حوالينا اتنصب
والحية في إيدين ( ألعوبان )
قرصان ولكن ( قَلْعُهْ بان )
محطوط عليه الجمجمة
والعضمتين
ده أكيد واخدها من شهيد
من (صبرا) أو يمكن (جنين)
بس الجديد
معظمنا راحوا اتفرجوا
قلعوا العقال واتفرنجوا
على بعض قاموا اتجرأوا
وبقينا عود
جوَّانا حزمة أسئله
وما فيش جواب
غير اغتراب
بنعيشه غصبن عننا
مين مننا ؟
ما سألش نفسه الألف ليه
عارفين ده ليه ؟
مكتوب على كل الوشوش
( U S A )
ح تقول لي إيه
ما السمع عندي بينطرش
وبينكرش
فيّا النَفَس
لما عينيه بتلمحك
بتحط إيدك في الجراب
ترمي ف حناش
وتقول لنا : جَلَا جَلَا
واحنا لا حول ..
ولا
ولا حتى ح نجيب له الوله * [1]
اللي بعصايته يغلبه
وتلقف اللي بيحدفه
وبيجلبه
ما ولَّى عصر الأنبيا
واحنا بذكاء الأغبيا
صدقنا إفك ( السامري )
وسجدنا للعجل الذي
صنعه بدهبنا ونفطنا
وحطه في ميدان ( الرشيد )
إنذار لنا
واحنا بمرضنا وضعفنا
مستنيين المعجزة
العفو ومعاه الجزا
من ربنا
والرب قال : " إن تنصروه "
واحنا ولا نصره ولا
عاملين حساب الولوله *[2]
يوم الحساب
والغاب شريعته بتنتصر
وبينكسر
عزم الولاد
لما الشيوخ
تمسح في جوخ
وتبوس في إيد الألعوبان
يا فجر بان
واحرق خيوط الامتهان
اللي احنا عشناه ف عصرنا
من عُسرنا
استيسروا في ذلنا
اللي انكتب نتجرعه
زي الدوا
ولا مفيش مضاد
للاضطهاد
ولا مصل يصلح للخجل
اللي اتمسخ بيه جلدنا
يا جدنا
ارجع هنا
رجّع لنا تاني الحياء
اللي انعدم
في قاموس لأمة مؤمنه
( يا خيرَ أمه أخرجت )
واستخرجت
من أطلس العصر الغبي
واتهشمت .. ضاعت هباء
كثرة ولكن كالغثاء
فين الذكوره اللي تحبل أرضنا
وتجيب ولد
ويحيي أمه .. للأسف
موتى على قيد الحياه
اللي ف يمينه تكون رايتنا كلنا
مكتوب عليها بدمنا
( وا إسلاماه .. وا إسلاماه )
[1] الوله : يقصد الولد " لهجة سكندرية ويعني هنا موسى عليه السلام الذي سيأتي بعصاه
[2] الولوله : صوت عويل النساء في المآتم
رسم الشاعر صورة غاية في الدقة وانفعل لها انفعالا مدويا مهتما بأدق تفاصيل اللوحة وبعد إكمالها وجد أن نقاط الظلام غلبت على نقاط الضوء فالتفت إلى نقاط الضوء وقام بتشويهها ليكمل بقعة الظلام واليأس من كل شيء
مين مننا
ما سألش نفسه الألف ليه ؟
عارفين ده ليه ؟
مكتوب على كل الوشوش
U S A
نلاحظ هنا التعبير بلفظة ( كل ) التي توحي بالتعميم والانتشار فالكل خضع وحمل راية العبودية وطبعها على وجهه علامة الطاغوت الأمريكي فشوه الشاعر الواقع وما بقي فيه من بصيص أمل ونور
فين الذكوره اللي تحبل أرضنا ؟
وتجيب ولد
ويحيي أمه .. للأسف
موتى على قيد الحياه
استخدم الشاعر في هذا المقطع الاستفهام البلاغي بغرض النفي لينفي به وجود الرجولة القادرة على مواجهة الطاغوت الأمريكي تشويها لهذا الواقع الشعري الذي يتعامل معه
ومن الشعراء الذين دخلوا هذه الدائرة ( فلسفة تشويه الواقع ) الشاعر السكندري ( سامي عقل ) أيضا ويتجلى ذلك في قصيدته ( قراءة في جغرافيا الوجه المقلوب ) متخذا من الأم رمزا للوطن بعد أن غاب عنه في رحلة عمل وعاد فلم يجد الوطن في استقباله كما كان ينتظر يقول :
معذرةً أمَّ المطرودين
وليغفر .. للمطرود العائد .. عودةْ
ودعيني أقرأ وجهك بعد العودة
أتصفح بعض تجاعيد الوجه المؤنس
بعد سنيّ الوحدة
تتمسح رأسي ببلاطك
لتهيأ وضع السجدة
أمي
قررت بألا أتساءل
ما ذنبي حين ولدت
وحين رمتني يداك جنينا عبر البحر
إن كنتُ الرافض – حقا – لبن الأم
أم كان الثدي هو الرافض
لكني ها قد صرتُ بشوق العائد
فأقبل أسفل تلك الجبهة
أسكن مجرى المفرق
بين الحاجب والحاجب
وإذا كنت بعيدا كل البعد عن العينين
يكفيني منك .. أخضب جانب وجهي
يكفيني منك .. دلتا الوجه
أمي
في الغربة
كنت أعاني قصر النظر إلى الأشياء
ولهذا .. أشعلت بشوقي
كل مسافات تفصلنا
لكن .. حين دنوت من الوجه المقلوب
ذابت كل معالمه
أدنو فتذوب
أدنو أكثر .. فتذوب .. وتذوب
فوجدت العلة معك
طول نظر
فصعدت لأعلى البيت الطيني
في قريتنا
لأراك
أكبر بعض الشيء
أوضح بعض الشيء
أكبر .. أوضح ... أفضــــ ....
ثوبك يا أمي
يا صاحبة البيت الطاهر
لون جليد
" ما كان أبوك امرأ سوء "
أو كان الجد
فتفاصيل الجسد العاري
تقرأ ليلا بـ " الدولار "
ما كان لإبن محو العار ..
على أمه
وإقامة حد
فصعدت لأعلى مسلة
قد أهداها إليك
أحد الأبناء السبعة آلاف
في عيد الميلاد
لأراكِ ..
أكبر .. أوضح .. أفضـــــ ...
فرأيتك ..
يا ساقية الحي الميت
القربة سم
والظهر الأعمى ..
قد يتساوى عندهْ
حمل الماء .. وحمل السم
فصغارك يا ساقية الموت الحلو
لا تأمن شر الغرباء
لكن .. أفواه الرضع تأمن ..
ثدي الأم
قد صدر النعي
على صفحات كتاب الموتى من زمن
" السقا مات "
أما الأحياء على قنبلة موقوتة
من قبل صدور النعي
فهم أيضا " أموات "
وصعدت الهرم الأكبر
لأراك .. أعلى
أعلى منه ومني
رأسي تخترق السقف الأزرق
للمجد تغني
لكن يديك .. طاهرتان ..
وممسكتان ..
خيوطا تمسك أبناءك في الأرض
تتدلى فيها مصائر ..
كل عرائس دار العرض
فالدمية تسقط
وهي تحاول قطع الخيط
تدرك حينئذ
أن الوهم أساس " البيت المعمور "
لكن ...
لا تدرك أن الوهم الأكبر ..
" باب البيت "
ذاك المشهد كان الآخر
آخر ما سمحت عيني بالرؤية
وبجُرح الإبن الثائر أجري ..
أبحث عنك
كي أقتل نفسي بين يديك
أخنق صوت النبض المشتاق
كي لا أحيا بعد مواجهتك
فأُعَيَّر باقي العمر بأني ؛
إبن عاق
قالوا : أمك في المحراب تصلي
هرعت إليها
دفعت الباب بقدميّ الحافيتين
أركان المحراب خشوع
وطلاء حوائط زرق , خيرٌ وافرْ
قلت : " أنى لك هذا ؟ " يا أمُّ
قالت : " هو من عند الله "
قلت : وماذا عن الجوعى بالخارج
ماذا عن صلواتك ؟
ماذا عن نزواتك ؟
ماذا عن تلك الرؤيا المشئومة يا عصماء
ماذا عن إحساس راودني طول حياتي
أنك ؛ آخر رسم للعذراء
بالله أجيبي
يا صاحبة الوجه المبهم
قالت : اهدأ طفلي
قد " صدقت الرؤيا " لكن ..
أخطأت التأويل
قد جاء الوقت لكي تعلم ؛
ليس لأمك وجه مبهم
لكن لها ...
أخت توأم
لننظر كيف رسم الشاعر الصورة بكل تفاصيلها وتجاعيدها ثم قام بتشويه ما تبقى من ضوء فيها حيث جعل الواقع أقبح مما هو عليه انتقاما منه وتشفيا فيه ..
سأكتفي هنا بعرض زويا الرؤية التي كما قلت سابقا قد أحصيتها خمسا وعشرين دائرة – مذكورة في كتابي ( روافد الشعر العربي ) - لأنني لو عرضتها جميعا فسوف يطول بنا المقام درءً للملل ويكفيني أن نبهت إلى كيفية أن يكون للشاعر زاوية رؤية أو عدة زوايا رؤية لمواجهة واقعه الشعري ...
انتظروني في الحلقة القادمة أتناول فيها آخر مرحلة من مراحل النضج الفكري وهي ( مرحلة التجريب )
[/center] | |
|
